الأحد، مارس 28، 2010

البيئة المدرسية وتنمية الإبداع دكتور مجدي رجب إسماعيل

مقومات البيئة المدرسية اللازمة لتنمية الإبداع العلمي:

التفكير الإبداعي قدرات عقلية يمتلكها الفرد بدرجات متفاوتة، حالة في ذلك حال أية قدرات عقلية أخرى. والقدرات العقلية تتأثر بعوامل عديدة، منها ما يتعلق بالفرد.

وتختلف المدارس فيما بينها من حيث الإمكانات المادية والبشرية المتوافرة فيها، ومن حيث الاتجاهات والممارسات السائدة في كل منها، وهي بذلك تؤثر تأثيرا مختلفا، إيجابيا أو سلبيا على نمو شخصيات المتعلمين من مختلف الجوانب بما في ذلك قدراتهم الإبداعية (66:10).

وقد استعرض فريمان (Freeman) نتائج دراسات عديدة ركزت على أثر المؤسسات التعليمية على تنمية القدرات الإبداعية لدى التلاميذ، يستفاد منها أن المؤسسات الأكاديمية المختلفة تؤثر تأثير مختلفا على إبداع الطلبة، فالكليات العلمية تتقبل الأفكار الجديدة أكثر من الكليات الأدبية، و المدارس التي تؤكد على التعلم الذاتي والأنشطة الإبداعية، وتوفر مناخا بيئيا خالياً من القيود، تساعد على تنمية القدرات الإبداعية لدى الطلبة اكثر من المدارس التقليدية (27).

كما يشير صائب الألوسي إلى أن الحديث عن تنمية الإبداع لا يرتبط بالسلوك الظاهر، إنما يرتبط بقدرات التفكير الإبداعي وهي القدرات الكامنة، والبيئة المدرسية متى ما وفرت المناخات التربوية السليمة، فإنها تساعد على تنمية هذه القدرات على أن تتوفر فيها النشاطات والأساليب والبرامج التي تتضمن حل المشكلات والإجابات المتعددة وغيرها من النشاطات التي تساعد على انطلاق التفكير المتشعب، وهو النوع الذي يقود إلى إجابات متعددة وغير متوقعه (71:131).

ويرى كل من إبراهيم بسيوني وفتحي الديب أن البيئة المدرسية بما يتوفر فيها من مقومات تساعد على تحقيق النمو المتكامل للتلاميذ فالندوات العامة، والعروض السينمائية والمجالات والكتب العلمية، وحديقة المدرسة، وجمعيات ونوادي العلوم، والرحلات التعليمية، والهوايات العلمية، وغيرها يمكن أن تهئ فرصاً للتربية العلمية، تكون مكملة للخبرات التي يكتسبها التلميذ في الفصل ومدعمة لها مما قد يؤدي إلى تنمية قدرات الإبداع العلمي عند التلاميذ (79:1).

ويذكر عبد السلام عبد الغفار في إطاره النظري المقترح عن الإبداع أن الناتج الإبداعي هو محصلة لعدد كبير من العوامل من أهمها العوامل البيئية فإذا كانت البيئة التي يعايشها الفرد بيئة سمحة، مرنة، تحترم حرية الفرد في التفكير والتعبير، ولا تتسرع في إصدار الأحكام على من يفكر ويعبر عن فكرة وتسمح بالتفكير الحر الذي يعتبر نقطة البداية في الإبداع وتقل عوامل الكف والضغط في هذه البيئة، مثل هذه الظروف تشكل أساساً مهما في الناتج الإبداعي (253:16-255). فالبيئة المدرسية إمّا أن تيسر تفجير الطاقات الإبداعية أو تعمل على كبت القدرات الإبداعية (14:15-17).

وقد حدد فؤاد أبو حطب (1994) أهم الشروط التي تهئ للتلاميذ فرصة للإبداع في البيئة المدرسية وهي التحرر من التوتر المفرط الناتج عن الفشل في حل المشكلات، ومن الضغوط التي ترمي إلى تبنى التلميذ لموقف ثابت لا يتغير وكذلك الحاجة إلى أن يتطابق إنتاج التلميذ مع المعايير التي يحددها مقدماً المعلمون أو المجتمع إلا إذا كان هذه المعايير تتفق مع طبيعة المهمة الإبداعية التي يقوم بها التلاميذ المبدعين (22).

والمعلم متغير أساسي في تنمية القدرات الإبداعية عند التلاميذ، ففي دراسة مقارنة يبين مدرستين تشجعان الإبداع ومدرستين تقليديتين، وجد ووكر Walke أن المعلمين الذين يبدون سلوكاً أكثر إثارة وأصالة يكون تلاميذهم أكثر قدرة على أخذ المبادرة وأكثر قدرة على القيام بأنشطة من النوع الإبداعي(20:27)، وقد لخصت كلارك (1988 .Clarck) ممارسات المعلمين الذين يحتجون في تنمية الإبداع والتي توصل إليها عدد كبير من الباحثين منذ الستينات. فوجدت أنهم يستخدمون أنشطة فكرية تباعدية وتقاربية وتقويمية، ويشجعون على التعبير العفوي، ويوفرون مناخا متقبلاً. وبيئة مدرسية متنوعة غنية ومثيرة، ويطرحون أسئلة استفزازية، ويقدرون الأصالة، ويشجعون الطلبة على فحص الأفكار الجديدة، ويعلمون مهارات التفكير الإبداعي، ومهارات البحث والاستكشاف الذاتي (56:26)، (44:33).

ولأهمية تقنين مفهوم الإبداع وتسير لعملية تنمية في البيئة المدرسية فقد أشارت كتابات بعض الخبراء إلى أنه لكي ينجح معلم العلوم في تنمية قدرات الإبداع العلمي لدى تلاميذه، فإنه ينبغي أن يحسن تقدير التفكير الإبداعي، وأن يشجع تلاميذه عليه، وأن يفضله على تلقين المعلومات، وأن يتجنب تقديم الحلول الجاهزة للمشكلات العلمية التي يتناولها مناهج العلوم، وأن يسعى إلى تدريب طلابه على التخيل المبدع، وزيادة ثقتهم في قدراتهم الخاصة وأفكارهم غير التقليدية، وأن ينمي لديهم صفات التحمل والصبر على الأفكار الجديدة وغير المألوف، وذلك من خلال تهيئة البيئة المدرسية والمناخ الميسر للنشاط الإبداعي داخل الصف وخارجة، وأن يسعى للتقليل من إحساس التلاميذ بالرهبة من الأعمال العظيمة والكشوف العلمية الهائلة (105:5). ونعني بتهيئة البيئة المدرسية مبنى مدرسيا مغايراً، فهو ليس بناء هندسياً ولكنه بناء هندسي تربوي لا بد أن تتوافر فيه مساحات كافية ليمارس التلاميذ عملية التعلم بصدق وعمق وثراء وتعني التهيئة أيضا نوعاً جديدا من العلاقات الإنسانية بين المدير والموجة والمشرف التربوي والمعلم والتلاميذ داخل جدران المدرسة تهدف إلى اكتشاف التلاميذ المبدعين وتنمية إبداعهم، وتعني التهيئة أيضا كما يراها أحد التربويين فناء مدرسياً ونشاطا للتلاميذ وجمعيات عملية وعلمية ومسرح مدرسي وإذاعة مدرسية ومكتبات جديدة في الفصول والمدارس وغير ذلك مما كان من مقومات البيئة المدرسية (47:14)

أما فيما يتعلق بمناخ مدرس منمي للإبداع العلمي فقد أكد كل من أحمد شبارة والسيد شهده في دراستهم بتوفير أكبر قدر من المعارف والمعلومات التي تتصل بالقضية أو بالمسألة أو الموضوع قيد الدرس؟ وذلك من خلال نشر مراكز المصادر المعلومات وأنشأ المكتبات المدرسية التي تزويد الطلاب بالمراجع والمواد الإضافية اللازمة من منطلق أن الإبداع عامة، والإبداع العلمي خاصة مزداد إمكانات حدوثه وتطويره بزيادة المعلومات المتوفرة ذات العلاقة (1)، (2) وفي هذا الصدد بشير فوليس Follis إلى أن الإبداع في العلوم إجرائياً هو ممارسة التلميذ وقدرته على حل المشكلات بطرائق وأساليب أصلية مفيدة (57:29).

معوقات الإبداع في البيئة المدرسية

أن إبراز معوقات الإبداع في البيئة المدرسية كما حددتها بعض الدراسات تتمثل في المناخ التقليدي السائد في البيئة المدرسية وفي نقص الإمكانات التربوية الملائمة، وفي المناهج المكتظة التي لا تلبي حاجات التلاميذ ومواهبهم وميولهم ولا تتحدى تفكيرهم، وفي طرائق التدريس التي تركز على نشاط المعلم الملقن وتعتمد على التعليم الجماعي، وعلى التفكير التقاربي أو المحدد أو الإتفاقي حيث تكون حلول المشكلات محددة سلفاً تحديداً دقيقاً وعلى الطالب أن يجدها، كما تتمثل في أساليب التقويم التي تعتمد على حفظ المعلومات واسترجاعها كمعيار للنجاح وتهمل قياس العمليات العقلية العليا، وتتجاهل الأصالة والاستقلال بالتفكير وإبداع الحلول الجديدة، وتقوم على المنافسة القاسية، وتعرقل بالتالي العمل المبدع، مما دفع إبتشتين إلى القول: لقد كان المقيد مفزعاً للغاية لدرجة أنه بعدما اجتزت الامتحان النهائي وجدت نفسي غير قادر على التفكير في أية مشكلة علمية لمدة عام تقريباً (المليجي 1972، ص121)، وجعل هاردي (hardy) يعتقد بأن الامتحانات التنافسية التي كان يدخلها المتقدمون لنيل درجة الشرف في الرياضيات بين طلاب جامعة كميروج قد دمرت بشكل فعال الرياضيات الإبداعية في إنجلترا على مدى قرن من الزمان (عن: 121:9).

كما تبين في دراسات أخرى أن عدم تشجيع المعلمين لأفكار تلاميذهم ومبالغتهم في النقد ونقص ثقافتهم، وعدم تحمسهم، وصلابتهم، واهتماماتهم الضيقة تعتبر من العوامل المعيقة للإبداع (85:7)

ويشير باكسر(1990 Bakker ) إلى أن العملية الإبداعية يصعب أن تجد حظاً للظهور في أي بيئة مدرسية تسود فيها إحدى أو كل الاتجاهات والممارسات الاجتماعية التالية: التسلط أو كثرة الضوابط والموانع، والامتثال والاقتداء والتقبل والطاعة والانصياع (عن: 59:10).

ويقر فاخر عاقل (1983) أنه في ظل ظروف التربية الجماعية الجارية اليوم في البيئة المدرسية لا يستطيع المعلم أن يفعل الكثير من أجل كشف المبدعين وترتيبهم، وذلك بأن التلميذ يدفع إلى الانسجام مع رفاقة والسير في ركبهم والتمشي مع مقاييس ومعايير وضعت للتلميذ المتوسط، وهذا يعمل على قتل للمواهب والقدرات الإبداعية وتثبيط مهمة المبدع الذي يتصف بالفردية والتميز، وأن الحاح المعلمين على الحفظ والإعادة والتكرار يقتل المواهب ويخمد الإبداع (18).

وفي دراسة أجراها ارنست هاني(1991، HANY) حدد منها أسباب عدم وجود إطار مرجعي فعال لتنمية الإبداع وذلك من خلال مجموعة من الدراسات السابقة Brans ford.Frank.Vye Sher wood. 1989.Brown 1989.Kotovsky ). Fallside. 1989.hinn.1986;Reif 1990 ) (عن: 6).

وهذه الأسباب هي.

1- أن تغذية الإبداع العلمي ليس واردة في المنهج إلا فيما ندر.

2- إن المنهج مكثف إلى الدرجة التي يصعب فيها ممارسة أية تدريبات إضافية أو تسهم الدروس بنصيب في تنمية الإبداع.

3- إن المعلمين يواجهون صعوبات ضخمة في التعرف على السلوك المبدع للتلاميذ. وقد يخلطون بينه وبين السلوك الذكي.

4- كقاعدة عامة المعلمون ليسو مدربين على إجراء تدريبات إبداعية.

5- إن الدروس المدرسية بمقارنتها ببرامج التدريب على الإبداع ليس لديها إلا فرصة ضئيلة لتنمية التفكير الإبداعي.

وتتساءل رفيقة سليم 1995 في دراساتها عن معوقات الإبداع عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المدرسة العربية في تنمية الإبداع لدى الطلبة؟ وتجيب عن ذلك بإن الدراسات المختلفة تشير إلى تردى الأوضاع التربوية العربية بشكل عام، حيث تعاني معظم المدارس من نقص الموارد المالية، ومن عدم ملاءمة الأبنية المدرسية سواء من حيث مواقعها أو حجمها أو مرافقها، وحيث تركز المناهج المستخدمة على الأبعاد المعرفية وتهمل الجوانب المهارية والانفعالية، وتكتظ بالمعوقات غير الوظيفية التي عفا على أكثرها الزمن والتي يكون المعلم مسئولا عن تلقينها للمتعلمين جميعاً، في فترات زمنية محددة وتحت مراقبه مشدده من إدارات المدارس والموجهين التربويين، مما يدفعه إلى استخدام الأساليب القهرية التي تؤدي إلى قتل القدرات النقدية، وتعطيل الطاقات الإبداعية لدى المتعلم، بالإضافة إلى أساليب التقويم التي لا تزال عاجزة عن الكشف عن القدرات الإبداعية، وعن تقويم شخصية المتعلم بشكل كامل (10: 27).

كل ما تقدم يجعل البيئة المدرسية - كما يقول إبراهيم سعد الدين(1991) ينتج أنساناً سلبياً عاجزاً غير قادراً على الإبداع (3).

هناك تعليق واحد:

  1. مقالة رائعة

    لكن قد يكون للتربية دور ...طريقة تربيتنا تؤثر على اطفالنا
    لم نعتاد من معلمينا ان يطلقوا لنا العنان للتفكير
    بل دائما عندنا نحن العرب التعليم مرتبط بالقلم والكتاب


    ربى

    ردحذف