العدد : 56 - شوال 1421هـ -
تبسيط العلوم
تبسيط العلوم هو عملية شرح المبادئ الأساسية والاكتشافات العلمية والإنجازات التقنية بأسلوب مفهوم لغير المتخصصين . وبتعبير آخر فإن التبسيط يعني أن تكون أقوال المتخصصين مفهومة لغير الخبراء . وتعني عبارة غير المتخصصين في هذه الحالة طلاب مراحل التعليم العام ، كما تعني العلماء وحملة الشهادات العليا في المجالات الأخرى .
أما قاموس اكسفورد فيعرف تبسيط العلوم بأنه " جعل العلم معروفاً ومقبولاً وحائزاً على الإعجاب "
أهداف تبسيط العلوم :ـ
يهدف تبسيط العلوم إلى ما يلي :ـ
ـ نشر الوعي العلمي :
اقتحم العلم ومنجزاته التقنية بيوتنا في شكل الأجهزة المنزلية والتلفزيون والحاسوب وفرن الميكرويف والأغذية المعلبة والمجمدة ، واقتحم علينا أعمالنا في شكل أدوات وآلات وأجهزة طباعة ومعالجة كلمات وأجهزة اتصال وإنترنت ، واقتحم وسائل الإعلام ووسائل السفر والمستشفيات والمدارس والجامعات ، فهل نقف من كل هذا موقف المتفرج المندهش بدون وعي أو إدراك لحقيقة هذه المنجزات ؟
ومن هذا المنطلق فإنه يجب أن يكون لدى جميع أفراد المجتمع وعي علمي وثقافة علمية لكي يفهموا ما يدور حولهم ، ويحتفظون باتزانهم في عالم يتغير بالساعة واليوم ، وتتوالى أحداثه العلمية والتقنية بسرعة مذهلة .
ويتم هذا بتبسيط العلوم عن طريق نشر الكتيبات والنشرات بلغة عربية مبسطة مفهومة من قبل العامة وغير المتخصصين تتعلق بالتقنيات الحديثة التي نتعامل معها في حياتنا اليومية سواء في منازلنا أو في مكاتبنا من حيث الطرق الآمنة لتشغيلها ، والمخاطر المحتملة لتشغيلها ، والمخاطر المحتملة لها وكيفية تلافيها ، وعرض مبسط للمبادئ العلمية التي تقوم عليها ، والمكونات الرئيسية فيها .
ـ محو الأمية العلمية :
ومن أهداف تبسيط العلوم محو الأمية العلمية والوصول إلى " اللا أمية العلمية " ، لأن المواطن المستنير علمياً أقدر على شق طريقه في المجتمع الذي يعيش فيه ، حيث يكون معد إعداداً أفضل لاتخاذ القرارات السليمة في شتى مناحي حياته ، مثل السلامة الشخصية ، والشؤون الصحية ، واختيار السلع الاستهلاكية .
كما يصبح لديه القدرة على إدراك حقيقة المزاعم العلمية التي غالباً ما تصاحب ـ مثلاً الإعلانات التجارية وترويج السلع ، ويؤدي هذا الإدراك إلى زيادة المنفعة الاقتصادية للوطن والإنسان ، كما تساعد المعرفة العلمية والتقنية على تنمية القدرة العقلية والمهارة اليدوية للإنسان ، وتقوي قدرة الملاحظة والملكات التحليلية لديه ، وتنمي قدراته على استخدام الطريقة العلمية في الحياة اليومية لنبذ أنواع السلوك والمواقف غير العلمية وغير المنطقية .
ـ تطوير العلوم :
يؤدي تبسيط العلوم إلى فهم الناس له ، ومعرفة أسلوب التعامل معه ، وهذا يفيد العلم نفسه عن طريق مساندة الناس وأصحاب القرار للعلم والعلماء . وتشجيع البحوث العلمية فالناس أعداء لما يجهلون ، وكما يقول العالم إسحق أزيموف : " بدون الجمهور المستنير علمياً ،
لن يستمر العلماء في الحصول على الدعم المالي والمعنوي ، بل إنهم قد يضطهدون " . أما بول كودراك فيرى أن " جذور المعارضة العامة للعلم تنتج بسبب عدم معرفة الجماهير بمفاهيم العلم وأهدافه وقدراته ، وما يعد به من رفاهية وازدهار " . ولا شك أن الأمم التي لدى عامة الناس فيها فهم علمي مرتفع تستطيع الحفاظ على مركزها في السباق الاقتصادي والعسكري والأيدولوجي .
ـ معرفة الإيجابيات والسلبيات :
يهدف تبسيط العلوم ـ أيضاً ـ إلى معرفة الإيجابيات والسلبيات في البحوث والاكتشافات العلمية والتطورات التقنية ، إذ أن غالبية الناس غير مدركين لفوائد ومضار التقنية ، وبالتالي لا يعرفون متى يكونوا ضدها ، فالعلماء يعتقدون دائماً أنهم على حق فيما يتعلق بالعلم والتقنية ، وأن هدفهم خدمة الإنسانية ، وأن اهتمامهم يدفع حركة الاكتشافات العلمية وتطورها إلى تقنيات عملية تعود على المجتمع بالنفع ، كما هو الحال في تقنية اليوم ، مثل الكمبيوتر والاتصالات ، وتقنية الأمس ، مثل السيارة والتلفزيون وغيرها .
ومن المؤسف جداً أن الاعتقاد السائد عند معظم علماء التقنية المتطورة هو تملكهم للحقائق والمعرفة العلمية وجهل عموم الناس بهذه الحقائق ، المر الذي يتطلب من عموم الناس السير في خطاهم ، والحقيقة أن العلماء غالباً ما يروجون لما يلائم معرفتهم ، ولهذا يجب على عامة الناس الوعي والإلمام بقضية العلم والتقنية والاحتراس من اندفاع بعض العلماء في اتجاه خبراتهم وأفكارهم دون مراجعة أو تقييم للنتائج النهائية على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي .
ولذا يعد النقاش في سلبيات وإيجابيات العلم والتقنية أمراً مهماً للغاية ، وتحتم المسؤولية الأخلاقية طرح الأسئلة التالية : ماذا تعطينا التقنية ؟ وماذا تأخذ منا ؟ وأين حدود العلم والمعرفة ؟ . خصوصاً في كثير من القضايا المستجدة على الساحة العلمية والتقنية ، مثل الهندسة الوراثية والاستنساخ والتطبيقات المدمرة للطاقة الذرية .
وسائل تبسيط العلوم :
يوجد العديد من الوسائل لتبسيط العلوم من أهمها ما يلي :ـ
ـ أفلام الخيال العلمي :
ساهمت أفلام الخيال العلمي منذ القرن السابع عشر في تبسيط العلوم ، مثل أفلام شارلوك هولمز ، وهي عبارة عن قصص بوليسية تستعمل الأبحاث العلمية كجزء من الخدعة والخيال العلمي ، وكذلك روايات جونز فيرن الشعبية التي انتشرت على نطاق واسع خلال الجزء الأخير من القرن التاسع عشر ، وكانت معدة بدقة تامة لتقديم العلوم إلى عامة الناس ، وقد بلغت قمة النجاح .
ـ المحاضرات :
تعد المحاضرات من أقدم الوسائل المستخدمة في تبسيط العلوم ، وهي ذات أهمية قصوى في تبسيط العلوم وترويجها خلال القرن التاسع عشر ، وقد جذبت أعداداً هائلة من المستمعين والمهتمين ، ومن النماذج الشهيرة لتبسيط العلوم محاضرة ميشيل فاراداي بعنوان : " التاريخ الكيميائي للشمعة " ، والتي استمر عرضها لفترة طويلة وكذلك المحاضرة العامة التي قدمها توماس هسكلي بعنوان " على قطعة طباشير " .
ـ الكاتب العلمي المتخصص :
أفرزت الحروب العالمية وخصوصاً الحرب العالمية الثانية كتاباً متخصصين من غير العلماء أسهموا في تبسيط العلوم ، وذلك للآثار المدمرة لتلك الحرب الناتجة عن الاكتشافات العلمية الهامة ، مثل الرادارات والقنبلة الذرية وقد أوضح مسح للصحافة في الولايات المتحدة في عام 1951م أن ثلثي المحررين المتخصصين ضاعفوا ـ على الأقل ـ المساحات المخصصة للعلوم عما كانت عليه في العقد السابق .
ـ الأندية العلمية :
تقوم الأندية العلمية بدور فاعل في تبسيط العلوم ، وإيصالها إلى شريحة واسعة من المجتمع فمن خلالها تعقد حلقات النقاش حول بعض القضايا العلمية المستجدة على الساحة ، كما يتم من خلالها تقييم بعض المشاريع الإنتاجية ، والمشاركة في المعارض والمسابقات العلمية على المستوى الإقليمي ففي بنجلاديش ـ على سبيل المثال ـ يعقد سنوياً أسبوع قومي للعلوم يشترك فيه أكثر من 400 ناد للعلوم ، وهذه النوادي لا تساهم في تبسيط العلوم فقط بل تساهم في اكتشاف المواهب بين الشباب كما أن النوادي العلمية تجعل الناس على دراية بالتطورات والتقنية الحديثة .
ـ الثقافة المحلية :
نجحت بعض الأقطار في تطوير برامج مبتكرة لتبسيط العلوم تعتمد على التقاليد والثقافة المحلية ، فمثلاً تنظم مؤسسة كيرلا جنوب الهند مسيرات في كل خريف تقطع مئات الكيلومترات عبر الريف ـ يقدم الفنانون في هذه المسيرات مسرحيات درامية في مئات المواقع عن موضوعات متعددة مثل الصحة ، والتعليم ، والبيئة ، وغيرها .
أما في الصين فيجري نشر عدد من كتب العلوم المبسطة الرخيصة الثمن في موضوعات متعددة لعامة القراء ، وذلك تحت إشراف المؤسسة القومية للعلوم والتكنولوجيا .
أما في بنجلاديش فيقوم قسم العلم والتكنولوجيا الحكومي بإصدار نشرة علمية كل أسبوعين تحت عنوان ( العلوم اليوم ) .
ـ المسابقات والجوائز :
تعمل الجوائز والمسابقات على تحفيز العلماء والكتاب وتشحذ هممهم لتأليف الكتب والكتيبات التي تعمل على تبسيط العلوم ، وقد أدركت منظمة اليونسكو هذا الدور فأنشأت جائزة كالينجا لتبسيط العلوم في عام 1951م ومنحت الجائزة لأول مرة في عام 1952م وهي مقدمة كمنحة من العالم الهندي باتنيك الذي أسس الجائزة وسماها باسم الولاية التي عاش فيها وهي كالينجا ( أوريسا ) والجائزة عبارة عن شهادة وميدالية فضية باسم ألبرت أينشتاين أو نيلز بوهر ، إضافة إلى مبلغ مادي قيمته ألف جنيه استرليني ، وتمنح الجائزة في حفل يقام في نيودلهي في الهند . ويشترط في المرشح للجائزة أن يكون له نشاط مميز في الكتابة أو التحرير أو إلقاء المحاضرات أو إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية أو إنتاج الأفلام التي تساعد في تفسير وتبسيط العلوم والتقنية والبحوث للجمهور . وأن يكون لديه الإلمام بدور العلم والتقنية والبحث العلمي في تحسين حياة الناس وإغناء التراث الثقافي للأمم ، وإيجاد الحلول للمشكلات البشرية وأن يكون ملماً بالأنشطة العلمية للأمم المتحدة واليونسكو والمنظمات الأخرى ويفضل أن يكون مجيداً للغة الإنجليزية .
وتضم قائمة الحاصلين على الجائزة أكثر من خمسين فائزاً من العلماء والمختصين في تبسيط العلوم ، وبعضهم من الحاصلين على جائزة نوبل ، مثل لويس دي بروجلي ، وبرتراند راسيل ، وكونراد لورنتز ، وتتوزع جنسيات الفائزين بالجائزة على مختلف دول العالم .
ـ وسائل الإعلام :
لوسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون وإنترنت دور هام في مجال تبسيط العلوم . وقد أصبح للعلوم والبرامج العلمية مكان مهم في الإذاعة والتلفزيون في بلدان عديدة من العالم وخصوصاً في الإعلام الرسمي ( الحكومي ) . أما في الإعلام التجاري فقد ظهرت أنواع مختلفة من برامج العلم المبسط ، ولكنها ليست بالصورة المرضية ، لأن سياسة برامجه توجهها المصالح ولا يهمها تشكيل موقف وعلاقة المواطنين بالعلم الذي هو أهم عامل في تقدم البلد ، وقد اشتهرت عدد من البرامج العلمية التلفزيونية واستمرت مدة طويلة من الزمن وارتبط بها معدون ومذيعون متخصصون ، ومن البلدان التي اهتمت ببرامج تبسيط العلوم المملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي ( السابق ) حيث كانت هناك برامج علمية استمرت أكثر من 15 عاماً في قناة التلفزيون الرسمية حيث كانت تعني بقضايا تبسيط العلوم ومناقشة المسائل الاجتماعية المتصلة بالعلم وقد استضافت كبار العلماء في ندوات ونقاشات شملت قضايا مثل تلوث البيئة وعلم الوراثة والمشاكل الأخلاقية في الطب ، وسباق التسلح ومشاكل الصناعة وغير ذلك من قضايا الساعة في ذلك الوقت .
أما في وسائل الإعلام العربية فهناك غياب شبه تام للبرامج العلمية والتقنية بينما تفتح الباب واسعاً أمام البرامج الترفيهية والرياضية التي تقل أهمية عنها وفي لقاء تلفزيوني أجرته إحدى المحطات الفضائية أعلن العالم العربي الدكتور أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999م استيائه من وسائل الإعلام العربية قائلا : أن كل التلفزيونات العربية سواء كانت أرضية أو فضائية تهتم حالياً ولسنوات طويلة بالتسلية والترفيه فقط ، وفقدت وظيفة تقديم العلم والتقنية والثقافة الحقيقية المفيدة والجادة فأصبحت تقدم لنا أزياءاً وأجساداً بلا عقول ولا تفكير ولا علم ، وطالبها بأن تواكب وسائل الإعلام الغربية التي تقدم ثقافة العلم والتقنية والمستقبليات والإنسانيات جنباً إلى جنب مع الترفيه والتسلية حتى لا تصبح أمة بلا عقول .
وفي الوقت الذي تغيب فيه البرامج العلمية والتقنية عن التلفزيونات العربية ، نجد في الدول المتقدمة تخصيص قنوات تلفزيونية كاملة للتوعية العلمية وتبسيط العلوم مثل : ( Open University ) و ( Horizon ) و ( Discovery ) إننا هنا لا نلوم القنوات التجارية التي تهدف إلى الربح المادي ولكننا نلوم القنوات الحكومية في تقصيرها في جانب التوعية العلمية لأنها مسئولة عن تثقيف وتنوير الجمهور وتوعيته ، والارتقاء بذوقه ومعرفته .
ولا شك أن هذا التقصير في جانب التوعية العلمية يؤدي إلى النقص في تقدير العلم وأهله ، والعكس صحيح وأسوق هنا خبراً رددته وكالة رويتر مؤخراً يشير إلى أن الأطباء والعلماء هم الأكثر احتراماً في الولايات المتحدة . وأوضح الاستطلاع الذي أجراه معهد هاريس أن 61% من بين 1010 أشخاص بالغين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن الأطباء يحظون باحترام كبير يليهم العلماء بنسبة 56% ثم المدرسون بنسبة 53% .
ـ من يبسط العلوم :
ليس المقصود تبسيط العلوم تسطيحه /، أو مجرد اختيار كلمات وألفاظ تبدو أسهل وأيسر ، بل أنه فن من النوع السهل الممتنع ، ويتطلب معرفة وخبرة وإتقاناً للغة والأسلوب العلمي وليس من اليسير إجادته والإبداع فيه بل يجب أن يتوافر في من يعمل في هذا الفن مؤهلان أساسيان هما : مستوى عال من المعرفة العلمية ، إذ لا يمكن للمرء أن ينقل بوضوح شيئاً لم يستوعبه هو نفسه استيعاباً تاماً ورغبة حقيقية في مشاركة غيره المعرفة التي اكتسبها .
ويختلف تبسيط العلوم عن إعداد الأوراق العلمية التي تقدم في المؤتمرات أو المحاضرات التي تلقى في الجامعات لذا فليس كل عالم أو أستاذ في الجامعة مؤهلاً للقيام بهذا النشاط .
يتضمن تبسيط العلوم جعل الموضوع جذاباً لأنه من الضروري تجميل العلم وإبراز محاسنه لكي يحبه الناس ، وهم لن يحبوه إلا إذا أحبوا القائم بالتبسيط وعلى ذلك فيبدو أن القدرة على كل من التبسيط والأخذ بالألباب هي مفتاح التبسيط الناجح ، ولكي يزيد مبسطو العلم من جاذبيته وسهولة فهم غير العالمين له يجب عليهم أن ينموا فهمهم بالعلم والناس والعالم المحيط بهم وأن يكونوا أمناء في جهودهم نحو العلم والجمهور ، أي أن تبسيط العلوم يجمع بين العلم والتربية والثقافة .
يستحسن أن يقوم بتبسيط العلوم وإعداد وسائله أشخاص متخصصون في الإعلام العلمي وهؤلاء من الصعب الحصول عليهم في البلدان النامية لذا فإن على العلماء أن يبذلوا جهودهم لتغطية هذا النقص رغم انشغالهم ببحوثهم واهتماماتهم الأخرى .
ليس من الضروري أن يكون العالم البارز في معمله وتخصصه إعلامياً جيداً ، لأن ذلك يتطلب توافر أدوات ومواهب معينة منها إجادة اللغة والقدرة على الاتصال من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية لأن هذا صوتاً جيداً وأداءاً معبراً ولا شك أن الإعلامي ـ في أحيان كثيرة ـ يكون اكثر تأثيراً في عملية الاتصال من العالم مع الحرص على التساوي في دقة المادة العلمية المقدمة حيث يجب استخدام لغة علمية بسيطة ومشوقة ووضع الحقائق العلمية في إطار اجتماعي وثقافي وأدبي محلي ، والاستخدام الواسع للمواد السمعية والبصرية فهذه العناصر هي المقومات الأساسية للاتصال العلمي الجيد .
إن عملية التبسيط هي عملية محفوفة بالمخاطر ، إذ تتوارى خلفها العلوم الزائفة فالشخص غير العالم الذي يثير العلم اهتمامه يتلهف إلى فهمه ولكن لا يفرق بين العلم الزائف والعلم الحقيقي ، ولذلك يجب أن توفر له الحماية . هذه الحماية يوفرها مبسطو العلم حينما يقومون جاهدين بتقديم العلم بدقة وموضوعية موضحين الفرق بين العلم الحقيقي والعلم الزائف وبين الحقائق والتخمين .
وهناك أمثلة عديدة وجيدة لتبسيط العلوم وإن كانت على درجة عالية من التقصير ومن ذلك محاولة ستيفن هاوكينج عام 1988م عندما ألف كتابه " تاريخ مختصر الزمن " الذي أصبح من الكتب الرائجة فقد كان فيه هاوكينج مبسطاً رائعاً .
وقد اتبع هاوكينج نصيحة ناشر للكتاب بعدم وضع أي معادلات أو صيغ رياضية سوف تقلل مبيعات الكتاب إلى النصف ومع ذلك فقد احتفظ هاوكينج في كتابه بمعادلة واحدة فقط .
وقد صدر من هذا الكتاب حتى الآن أكثر من 25 طبعة كما صدر الكتاب في شكل قرص مدمج تفاعلي يجعل من اليسير على أي شخص فهم الكون الذي تصوره هاولينج عن طريق قراءة النص من شاشة الكمبيوتر ومشاهدة الرسوم المتحركة التي تجعل أعقد المفاهيم واضحة وبسيطة .
ولكن نفس المؤلف قام بتأليف كتاب آخر هو " طبيعة الزمان والمكان " مع صديقه روجر بزوز وكانت النتيجة أن الكتاب أصبح مثالاً للتبسيط السيئ للعلم إذا أنه لم يخدم العلم ولا المتلقين فقد كان غامضاً جداً ومليئاً بالمعادلات الرياضية المعقدة والرسومات السيئة .
ـ تبسيط المناهج العلمية :
أصبح العلم في المجتمع المعاصر قوة إنتاج فعالة وعامل تقدم ورقي في مجالات نشاط الإنسان وعلاقته بالطبيعة والكون والمجتمع وفي سعيه الدائم نحو إشباع حاجاته الحيوية المتنوعة ، وهذا ما جعل العلوم البحتة والتطبيقية تكتسب أهميتها البالغة في عالم اليوم ، وقد أدى اتساع مجالات العلوم وتطبيقاتها إلى مبادرة معظم بلدان العالم المتقدمة منها والنامية إلى إعطاء التربية العلمية والتقنية المكانة اللائقة بها ضمن أنظمتها التربوية .
ولكي يسهم تدريس العلوم مساهمة فعلية في تكوين الأجيال وإعداد الكفاءات الواعية القادرة على مواجهة متطلبات التنمية الشاملة فقد سعت الدول المتقدمة إلى إصلاح برامجها التعليمية وتطويرها بما يتلاءم مع تبسيط تلك العلوم في محتواها ومصطلحاتها ومنهجيتها لكي يسهل على الطلاب في مختلف الأعمار والمستويات استيعاب العلوم واكتساب التجارب والمهارات والاتجاهات والقيم التي تؤهلهم لمواصلة التعلم ومواجهة متطلبات الحياة الاجتماعية والمهنية بنجاح .
ـ تبسيط العلوم للأطفال والناشئة :
يختلف تبسيط العلوم للأطفال عنه للكبار فالطفل في مراحله المبكرة يميل بطبيعته إلى الخيال والقصص الخرافية وأفلام الكرتون وقصص الخيال العلمي ، لذا فيمكن استغلال هذه الميول في زرع الثقافة العلمية بداخله ، وذلك عن طريق مزج العلم بالخيال من اجل تنمية قدرته على الإبداع والابتكار والتخيل ولكن يجب ألا تطول فترة الخيال والخرافة في حياتهم كما أن عملية مزج العلم بالخيال يجب أن تتم بحكمة وباستخدام ميزان دقيق .
ويجب أن تتدرج عملية التثقيف العلمي للطفل فتبدأ بما يتمشى مع خبراته ومداركه ثم تتطور شيئاً فشيئاً نحو مسائل أكثر تعقيداً مع التأكيد على ضرورة مسايرة دوافع الأطفال وميولهم الطبيعية .
يتم تبسيط العلوم للطفل في سن المدرسة من خلال الكتاب المدرسي الذي يجب أن يكون مشوقاً وجذاباً إضافة إلى الكتب اللا مدرسية وأجهزة الإعلام وأفلام الفيديو وبرامج الحاسوب وزيارة المتاحف العلمية والمعارض العلمية التي تقام في المدارس والمسابقات العلمية .
وهناك مسألة يجب التنبيه إليها عند تبسيط العلوم للناشئة وهي ضرورة الاهتمام بتاريخ العلوم عند العرب وعدم إغفال دور العلماء المسلمين مثل : ابن الهيثم وجابر بن حيان وابن النفيس والخوارزمي وغيرهم ، لكي يعرفوا عنهم مثلما يعرفون عن علماء الغرب كنيوتن وجاليليو وآينشتاين . وبالتالي تقوى علاقتهم بتاريخهم ، وتزداد ثقتهم في أنفسهم ويؤمنوا بأن العلم ليس محصوراً في إقليم أو شعب محدد .
ومن اهم القضايا المطروحة في مجال تدريس العلوم وإعداد النشء الواعي علمياً مسألة تأهيل مدرسي العلوم وإعدادهم إعداداً جيداً فالمدرس هو الأساس في أي نظام تعليمي والاهتمام به وتنمية مهارته يجب أن تنال أهمية قصوى .
ـ توصيات :
تشمل التوصيات الخاصة بتبسيط العلوم ما يلي :ـ
1ـ تكثيف الجهود المبذولة من اجل تبسيط العلوم وتيسير سبل نشرها على الصعيد المدرسي وصعيد الجهود لنشر الوعي العلمي والثقافي الشامل باعتباره عاملاً فعالاً للتقدم الحضاري وتحسين الإنتاج ورفع الإنتاجية في المجتمع والسيطرة على مشاكل التنمية .
2ـ السعي الجدي لتوحيد المفردات والمصطلحات العلمية في البلدان العربية لتكون هناك لغة واحدة للعلم ، ولتسهيل انتقال الثقافة العلمية بين الدول العربية .
3ـ صياغة أهداف واضحة وخطط استراتيجية لتبسيط العلوم ونشر الوعي العلمي بين الفئات والمستويات المختلفة ، واختيار الوسائل الملائمة التي تساعد في الوصول إلى تلك الأهداف .
4ـ الاهتمام بالمختبرات العلمية المدرسية ووسائل الإيضاح السمعية والبصرية واستخدام أحدث التقنيات في شرح العلوم وزرع الوعي العلمي لدى الطلاب .
5ـ الاهتمام بتأهيل مدرسي العلوم وإعدادهم وتطويرهم باستمرار لكي يقوموا بالدور الهام الموكل إليهم .
6ـ توثيق أواصر التعاون المتبادل والتكامل بين الجهات التربوية والإعلامية والبحث العلمي في الوطن العربي من اجل تذليل الصعوبات التي تعوق تطور تدريس العلوم وسبل تبسيطها ونشرها بصورة ناجحة من مرحلة الروضة إلى الجامعة والتعليم المستمر ويشمل ذلك انتقاء أفضل البرامج الإذاعية والتلفزيونية العلمية في كل بلد عربي وتنظيم تبادلها والاستفادة منها في بقية البلدان العربية ، ووضع خطة مشتركة لإنتاج البرامج التربوية العلمية الجيدة .
7ـ تنظيم الندوات والحلقات والدورات الدراسية الخاصة بتبسيط العلوم والاستفادة من تجارب الدول التي سبقت في هذا المجال .
8ـ الاستفادة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ) ومكتبها في الدول العربية في دعم برامج تبسيط العلوم .
9ـ إنشاء جائزة وطنية سنوية على غرار جائزة كالينجا تمنح لمن يسهم بجهد مميز في مجال تبسيط العلوم ونشرها .
10ـ احتساب جهود تبسيط العلوم ونشر الوعي العلمي لأغراض البحوث الدراسية والترقيات العلمية في الجامعات وجهات البحث العلمي .
11ـ تخصيص دعم مادي لتبسيط العلوم وترجمة الكتب العلمية ضمن برنامج دعم البحث العلمي بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية .
12ـ الاهتمام بإقامة المراكز والمتاحف العلمية ومتاحف التاريخ الطبيعي في كل مدينة من مدن المملكة .
13ـ التنسيق مع وزارة الإعلام والصحف اليومية والمجلات من أجل زيادة الاهتمام بالتوعية العلمية وتبسيط العلوم ، والمساعدة في تأهيل الكفاءات العلمية إعلامياً للقيام بالإعداد والتقديم والتحرير العلمي للبرامج الإذاعية والتلفزيونية والصفحات العلمية ، من أجل جذب أكبر شريحة ممكنة من المجتمع نحو العلوم والتقنية بطريقة محببة إلى النفس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق