اللعب أكثر جدية من التدريس | تحرير |
اللعب أكثر جدية من التدريس، [مراجعة لكتاب :كيف تساعد ألعاب الكمبيوتر في تعليم الأطفال. ديفيد وليامسون شيفر. نيويورك، نيويورك: بلجريف-مكميلان (2006)]. Shaffer, D. (2006). How computer games help children learn. New York: Palgrave Macmillan. (242 ص. , $ 26.95 مراجعة الدكتور أحمد السلطان كلية التربية، جامعة و يسكونسن، فرع ستيفنز بوينت. ستيفنز بوينت، ويسكونسن، الولايات المتحدة الأمريكية. مؤلف الكتاب هو مدرس برتبة أستاذ مشارك في التربية بجامعة ويسكونسن - ماديسون. و الدراسة التي يقدمها في هذا الكتاب هي مبنية على عشرة سنوات قضّاها المؤلف في البحث في التكنولوجيا، و علم الألعاب و الكمبيوتر و التربية. يبدأ المؤلف صفحات الكتاب الأولى بالتحذير لما آلت إليه حالة التعليم في المدارس اليوم و كيف أن التعليم في المدارس اليوم لا يتماشى مع متطلبات العصر التكنولوجي الحديث الذي نعيشه. ديفيد شيفر يتكلم عن التعليم في أمريكا طبعا، و يعتقد ان المدارس بصورتها الحالية هي لازالت تدرس على طريقة العصر الصناعي (القرن التاسع عشر). من وجهة نظره لقد فشلت المدارس (1) في إعداد التلاميذ لاقتصاد عصر العولمة والتكنولوجيا الرقمية، (2) و في توظيف التكنولوجيا الجديدة لإعداد الناشئة للتعلم و التفكير و الحياة، حقا، في عالم متغير . و يُثمِّن المؤلف عاليا دور التفكير التجديدي المتطور. في هذا الكتاب يقول شيفر أن ألعاب الكمبيوتر و الفيديو "يمكن أن تساعد الناشئة على تعلم طرق التفكير الهادف نحو التجديد و التطوير، و هي الطرق التي تساعدهم على النمو و الازدهار في عالم معقد." ألعاب الكمبيوتر و الفيديو التي يشير إليها المؤلف، طبعا هي غير الألعاب الدموية و المبتذلة المبنية على الربح و المنتشرة بالأسواق حاليا مثل (Mortal Combat) و (Grand Theft Auto)، التي ليس لها أيقيمة تربوية. شيفر يتحدث هنا عما ما يسميه ب"الألعاب الأبيستيمية". الأخيرة مشتقة من الأبيستيمولوجيا هي مفرد يوناني مبني على كلمتين: "الأبيستيم" (episteme) و "لوجيا" (logos). الأبيستيم هي مصلح يعني "المعرفة" أو "الفهم". أما "لوجيا" فتعني "التفكير" أو "الدراسة". و لهذا الأبيستمولوجيا هي مجال دراسة المعرفة، و دراسة المعرفة تحاول الإجابة على أسئلة توضح طرق المعرفة و التبرير العلمي و الجوانب الأيديولوجية و التاريخية و خلافها التي تؤثر على رؤية الباحث/الإنسان و تساعده على فهم العالم و الظواهر بصورة معينة. الألعاب الأبيستيمية تعني الألعاب التي تساعد اللاعبين على تعلم طرق التفكير في عصر العولمة الرقمي، و ما يقصده المؤلف بذلك هو "تعلم التفكير كالمجددين و المتخصصين المبدعين، أي بطرق جديدة تماما في مواجهة المشكلات اليومية. المبدعين من المتخصصين يتعلمون التفكير الخلاق من خلال الممارسة، و ذلك يختلف تماما من التعليم الأكاديمي التقليدي. التفكير الخلاق المتجدد هو أكثر من مجرد معرفة الجواب الصحيح في الامتحانات؛ و إعداد المبدعين يعني أيضا تنمية مهارات حقيقية مكتسبة من الخبرة المعاشة حسب المعايير العالية في الأداء و القيم المهنية و التفكير بطريقة خاصة في حل المشكلات و اختيار الحلول . و يستعرض المؤلف بالتفصيل خمسة من ألعاب الكمبيوتر و الفيديو. في كل واحدة منها يدخل اللاعبون في عالم افتراضي يحاكي ظروف العمل في مهنة متخصصة—المهندسون في الأحياء الطبية في لعبة حديقة الحيوانات الرقمية، و المفاوضون الماهرون في لعبة مشروع بندورا ، و الصحفيون في شبكة العلوم، و هكذا. هدف هذه الألعاب ليس تدريب اللاعبين ليصبحوا مهنيين بارعين، و أنما ليكونوا بشرا قادرين على ا لتفكير كالمتخصصين البارعين أثناء حياتهم العملية؛ أي بطرق تحليلية خلاقة و بإحساس بالمسئولية، متى شاءوا و متى دعت الضرورة لذلك. الألعاب التي يدعو إليها شيفر طبعا غير متيسرة على نطاق واسع بعد، و أنه من المستبعد حاليا أن تتبنى المدارس تلك الألعاب في مناهجها حتى و إن وجدت. و بتفهم شديد يشير إلى ذلك المؤلف حين يقول "أنه من الصعب على المدرسين في الوقت الحالي أن يستقطعوا وقتا من ذلك المخصص للإعداد للامتحانات المعيارية التي هي الآن الشغل الشاغل للمعلمين بسبب سياسة الرئيس بوش التربوية "لا طفل يتخلّف". و في إشارة إلى صعوبة إدخال الألعاب في التدريس و التعليم المنتظم في حصص قصيرة و غرف متناثرة في مبنى المدرسة يقول المؤلف: يجب أن لا نستغرب من صعوبة إدخال أي تجديد مثل هذا على تعليم مدته 40 دقيقة و موزع على غرف الدراسة المختلفة خلال اليوم الدراسي." لهذا فالتجديد القادم للتربية في العصر الرقمي، كما يقول شيفر ربما يأتي من جهات أخرى، خارج نطاق المدرسة التقليدية. لأن التعليم بواسطة ألعاب الكمبيوتر يمكن أن يتم في أي مكان يتواجد فيه التلاميذ و الكمبيوتر و الإنترنت، فإنه يمكن أن يتم في مراكز الأحياء السكنية، وفي النوادي و المعسكرات الصيفية، على سبيل المثال. في رأي المؤلف تعليم كهذا هو التعليم المناسب في عالم متغير مبني على التجديد و الإبداع و المرونة و المبادرة و ليس على المعايير الجامدة و التركيز على تدريس الأساسيات—في إشارة إلى سلبيات صرعة اختبارات المعيارية التي تجتاح التعليم الأمريكي اليوم و بالذات سياسة الرئيس بوش "و لا طفل واحد يتخلّف"، التي تنادي بذلك. و يأتي هذا الكتاب في وقت بدأت الألعاب تشغل وقتا كبيرا من وقت الأطفال و الشباب الجامعي، و تكتسب مساحة متزايدة في الاقتصاد العالمي، و في وقت بدأ المتخصصون التربويون التفكير جديا في الألعاب و قدرتها على التدريس. فالأبحاث التي نشرت في السنوات الخمس السابقة في هذا المجال تدعم ما جاء بها شيفر. على سبيل المثال لا الحصر نذكر الأبحاث التالية: Jones, S., (July 6, 2003). Let the Games Begin: Games and Entertainment Among College Students." Pew Internet & American Life Project. Durkin, K., & Barber, B., (2002). Not so doomed: computer game play and positive adolescent development. Applied Developmental Psychology, 23, 373-392. Gros, B., (2003). The impact of digital games in education. First Monday (www.firstmonday.org), Issue 8_7. Fischer, G., (2003). Beyond "Couch Potatoes": From Consumers to Designers and Active Contributors. First Monday (www.firstmonday.org), Issue 7_12. أود التذكير هنا أن الألعاب بحد ذاتها لا تفيد و تضر، مثلها في ذلك مثل الفيديو. حينما كنا ندرس توظيف الفيديو في التدريس كنت و لازلت أذكر تلامذتي بأن التلفزيون أو الفيديو هو آلة محايدة. أذا وجد البرنامج المناسب و شاهده الأطفال مع الكبار و تلا المشاهدة مناقشة هادفة فإن التلفزيون / الفيديو يكون مفيدا، و إذا لم تتوفر هذه الأمور فإن التلفزيون قد يكون عديم الفائدة. حقيقةً، تركيز معظم الدراسات على ألعاب الكمبيوتر على الجوانب السلبية أدى إلى صرف النظر عن الجوانب الإبداعية فيها. الدراسات كانت تركز على دورالألعاب في قتل الوقت، و على الجانب القيمي للمحتوى. لكن كما يصرح جيم جي Jim Gee أحد كبار المفكرين في مجال استخدام الألعاب في التعليم، و أستاذ تعليم القراءة بجامعة و يسكونسن أن ألعاب الكمبيوتر و الفيديو لديها القدرة على تعليم الكبار و الصغار على حد سواء إذا شاركوا فيها عقليا و بفعّالية. و ما يجعل ألعاب الكمبيوتر مثيرة هو أن اللاعب يلعب دورين في آن واحد: دور المستهلك و دور المنتج لمكونات اللعبة. اللاعبون يشاركون حقيقة في خلق العوالم الافتراضية للألعاب من خلال القرارات التي يتخذوها الحركات التي يقومون بها أثناء اللعب." و يذكر البروفيسور جي أن لعبة حروب النجوم: أبطال الجمهورية القديمة (Star Wars: Knights of the Old Republic) تعتبر من الألعاب التي تجعل اللاعب يفكر بطرق إبداعية و يتحمل مسئولية قرارته و يحقق التفاعل أيضا. و في هذا السياق أيضا، يُذكِّرنا البروفيسور جيم جي إن ألعاب الكمبيوتر و الفيديو يمكن أن تدرَِّس الحقائق بصورة جيدة و تشجع على التفكير الخلاق، حتى و بدون أي تغيير يذكر في أوضاع المدارس الحالية. لعبة الحضارة Civilization)) التاريخية،مثلا، تُمكِّن اللاعب أن يرى، من ضمن الأشياء الأخرى، أن سير التاريخ كان يمكن أن يسير بطرق مغايرة لما هو عليه الآن و أن ما حصل تاريخيا كان قد حصل لأسباب عديدة تتفاعل مع بعضها البعض بطريقة معقدة جدا. و هذا هو بالضبط ما أشار إليه ديفيد شيفر في كتابه موضوع المراجعة هنا. العاب الكمبيوتر و الفيديو تعطي الفرصة للمتعلمين رؤية الأمور بطريق مغايرة تماما لما هي عليه. كما نلاحظ أيضا أن الألعاب تستطيع القيام بذلك من دون الإسهاب في الشرح و الكلام. هذه ميزة نجدها في كل العاب الكمبيوتر و الفيديو —حتى التجارية منها. "خير الكلام ما قل و دل". و يلاحظ المجربون أيضا أنها لا تقدم الخطاب الكلامي (التعليمات أو الشرح) إلا في الوقت المناسب، أو إذا طلبه اللاعب. لأنه، بعد معرفة قواعد اللعبة، اللاعب هو المسئول عن تصرفاته و يتفاعل مع اللعبة على ذلك الأساس. خلاصة القول، بقدر ما هو كتاب عن ألعاب الكمبيوتر و الفيديو هو كتاب عن مميزات التدريس الجيد. فالمزايا التربوية للألعاب التي تشد الناشئة إلى الانخراط في اللعب كلية و لمدة ساعات بدون ملل تستحق الدراسة و يجب التفكير في توظيفها في العملية التعليمية. إذا قارننا تلك المميزات التي يتحدث عنها المؤلف بما يحدث في فصولنا الدراسية في العالم العربي يتضح لنا سبب حب الأطفال و الشباب لهذه الألعاب بصرف النظر عن اختلاف ثقافاتهم و لغاتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق